الأمّة الإسلامية.. آلام وآمال

الأمّة الإسلامية.. آلام وآمال

 

 

الأمّة الإسلامية.. آلام وآمال

 

عبد الكريم صار

رئيس المكتب التنفيذي لجمعية الوحدة لنشر الثقافة الإسلامية

والمدير المسؤول لمجلة الوحدة الإسلامية ـ دكار/ السنغال

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

قبل الدخول في الموضوع أرى من الضرورة بمكان التنبيه على نقطة مهمة، وهي: أن هذا البحث لا تقوم دراسته على سرد الحوادث التاريخية كما وقعت على الأمة الإسلامية، بإعتبارها الزماني والمكاني، فلذلك كيفيته الخاصة به، ولا تقوم أيضا على تحليلات أدبية فحسب، وإنما هي تصوير لواقع هذه الأمة وتشخيص لما تعانيه من آلام، ثم محاولة فتح باب الأمل والرجاء بعد التصوير والتشخيص للمستقبل الذي ينتظرها.

 

وفي الختام تقديم اقتراحات وتطلعات تساعدها من الإنتصار على أعدائها ـ بعون الله ـ إذا التزمت وعملت بها.

الدعوة الإسلامية:

إن من أهداف الدعوة الإسلامية جمع كلمة الأمة، وتوحيد صفوفها، وهذا ما توحي به عموم رسالة محمد (ص)، فقد بعث صلى الله عليه وآله وسلم إلى البشرية كافة في وقت كان الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم خاصة، فكل نبي كان يخاطب قومه بقوله: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) هود الآية 61، وأرسل(ص) إلى الناس جميعا كما بين الله عز وجل ذلك في قوله: (ومما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً) سبأ الآية 28 ـ وفي قوله تعالى أيضا: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فإعبدوني).

 

ومن هذا المنطلق دخل الناس في الإسلام من عرب وفرس وأفارقة أفواجا، فألّف الله بين قلوبهم، فأصبحوا بنعمة هذا الدين إخوانا تستدعي معاناة كل فرد الإهتمام من الجميع، أو كماأوضح ذلك صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

 

ومع هذه الألفة والوحدة والوئام، نرى أن الإسلام وبعد الدخول الناس فيه، لم ينف عروبة العربي ولا فارسية الفارسي ولا افريقية الافريقي، بل صبغ الجميع بصبغة الله «ومن أحسن من الله صبغة» وصهرهم في بوتقة واحدة. وصان للجميع الحقوق سواء اقلية أو أكثرية. ونظر إليهم نظرة التساوي كأسنان المشط، ومن حيث الأصل، والعقيدة والهدف والمكانة والغاية. والمواطنة والإنتماء إلى هوية حضارية واحدة. فأنتج بذلك شخصية متجانسة مستقلة، لا شرقية ولا غربية.

 

نعم، لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقت كانت البشرية في أشد الحاجة إلى من يأخذ بيدها وينتزعها مما حلّ من ذل وهوان. إذ أصبحت تتخبط في أمواج من ظلمات الجهل والفساد في العقيدة والأخلاق والسلوك، مصداقا لقوله تعالى: «لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسكم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين» آل عمرن الآية 164.

 

فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالهدى ودين الحق ليخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.

 

ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا النور، وربط أمته بأعمال وأقوال تشعرها بكلمة التوحيد وتوحيد الكلمة في كل مكان وزمان. مثل الشهادة لله بالوحدانية ولمحمد (ص) بالرسالة، كما جمعهابالصلاة إلى قبلة واحدة وهي الكعبة المشرفة، وسن لها صلاة الجمعة والجماعة خلف إمام واحد لايجوز الإختلاف عليه، وأمر بأداء فريضة حج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا. وساوى في كيفية اداء شعائره. هذه التشريعات وغيرها من شعائر الإسلام، ماشرعت بهذه الكيفيات إلاّ لتشعر بأن الدعوة الإسلامية دعوة إلى التوحيد. قال تعالى: (وإعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وكونوا عباد الله إخواناً).

 

في هذا الجو السليم، في هذا الجو من الحياة، نعم المسلمون حينا من الدهر، فأصبحوا يديرون العالم: إجتماعيا وسياسيا وعسكريا، ويقاومون أكبر وأقوى الأمبراطوريات ـ الفرس والروم ـ أصبحوا أغنياء إلى درجة أن واليهم على بعض البلاد الافريقية التي يموت الآن فيها من كل عشرة أطفال يولدون تسعة جوعا، كان واليهم في هذه القارة يبحث خارجها عن فقراء يوزع عليهم أموال زكاة المسلمين فيها بعد أن لم يجد فقيرا واحدا يقدم إليه الزكاة.

 

في هذا الجو من الحياة كان المسلمون يعيشون، فكانت الدعوة إلى الله تجري في دم كل منهم، وكانت توسيع دائرة الدعوة الإسلامية أملاً لكل من يتقرب إلى الله.

 

ففتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وبدأ نجم الإسلام في الإختفاء شيئا فشيئا، بعد أن سطع قرونا من التاريخ.

 

هذا هو تاريخ الإسلام، وهذه هي أمة الإسلام يوم كان القرآن الكريم منهج حياتها.

 

وليس قصدي من هذا السرد التاريخي التغني بالأمس المشرق الذي كانت الأمة تملكه، إذ، ليس المهم أن نعرف كيف كانت وإنما المهم أن نعرف لماذا كان ذلك حتى نستلهم من هذا الأمس الرؤية من أجل العمل في المستقبل.

العالم الإسلامي:

إنطلاقاً من منظور القرآن الكريم، فإن المسلمين في أنحاء المعمورة إخوة وأشقاء، ورعايا لأمة واحدة، بغض النظر عن ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم مصدقا لقوله تعالى: «إنما المؤمنون إخوة» الحجرات الآية:10، وقوله تعالى «إنّا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» الحجرات الآية: 13.

 

وأما العالم الإسلامي كما نراه لا من الزاوية الوطنية فحسب ولكن من الزاوية العقائدية بالتطابق مع المبادىء الإسلامية فإن المسلمون اليوم يمثلون: 25% من مجموع السكان العالمي وفي دول متعددة تجمعها منظمات عالمية مثل: المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، الذي وضع على عاتقه توحيد الصف الإسلامي، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية، وغيرها من منظمات ذات صفة عالمية.

 

وتتميز هذه الدول بوجود وسائل مادية ومعنوية تمكنها من التأثير على الوضع الدولي، ولعب دور حاسم فيه ونذكر منها:

 

الموقع الجغرافي والجيوبوليتكي لها، حيث تنتشر هذه الدول كالحزام بين الشمال والجنوب ومن المحيط إلى الخليج، بغض النظر عن ترابط بعضها ببعض.

 

أضف إلى ذلك إحتضانها أرضية خصبة للمواد الأولية والطبيعية مثل النفط والغاز والفوسفات والمواد الزراعية.

 

ومن زاوية أخرى فإن العالم الإسلامي ومعه العالم الثالث يعتبر مصدر الأخصائيين والأطباء والمهندسين والعلماء.

 

تقول الإحصاءات في هذا المجال أن الولايات المتحدة الأمريكية سرقت بعد الحرب العالمية الثانية أكثر من نصف مليون من الأخصائيين من الدرجة الأولى، في مختلف مجالات الحياة من العالم الثالث. مثلا: يوجد في ألمانيا أكثر من عشرين ألف طبيب مسلم مقيم فيها. ومع هذا كله فأين هذا العالم اليوم؟ ما وضعه؟ ما هو الواقع الذي يعيشه؟ هذه الأسئلة، ما سنحاول الإجابة عليها في الفصل التالي.

الواقع الأليم:

يخيم على العالم الإسلامي اليوم جو من القلق والحيرة، لما آلت إليه أمر هذه الأمة من ذل وهوان وخذلان، في وقت يتقدم فيه الغرب بدون تفهّم لواقع المسلمين ومشاعرهم، وما يحمله الإسلام من خير.

 

لقد دأب الغرب في إضمار الداء والحقد للإسلام والمسلمين من غير موجب، وكان عليه أن يدرك ما عليه هذا الدين من قيم، وما عليه المسلمون من خلق وحب الخير للبشرية جمعاء.

 

ويزداد هذا القلق والحيرة عندما نرى الغرب يدعم إسرائيل الأشد عداءا للإسلام والمسلمين، فتمضي في غيها على مرأى ومسمع من العالم تجاه الأرض المحتلة والشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، وما تمارسه من أساليب الإرهاب والقمع، وعدم الإعتراف بمقومات السلام العادل، والتشبث بمواقفها المتعنتة، وضربها عرض الحائط بالأعراض والمواثيق الدولية، وما تصدره الأمم المتحدة من قرارات.

 

وينقلب هذا القلق والحيرة إلى مأساة عند ما نقلب صفحات التاريخ، فيطالعنا جسد هذه الأمة الإسلامية مثخناً بالجراح والآلام، وتتماثل أمامنا صور من شتى أنواع المآسي والآلام: الإنهيارات المتتالية تملأ الساحة المسلمة، الدماء تسيل في أكثر من مكان، والأرحام مقطوعة والأخوة والوحدة كلام لا مدلول له في دنيا الواقع، والأعداء لهم الكلمة العليا، والأمة غارقة في المتاع الرخيص كالأنعام، لها إهتمامات الحيوان وليس إهتمامات الإنسان. مآسي وآلام يعجز عن وصفها القلم.

 

الغرب لم يترك سوأة من سوآتنا إلا وكشفها أمام أعين العالمين، وأكاد أقول أنه ليس هناك جانب صالح من أمور هذه الأمة يشجع على التفاؤل كل جزء يشكو من الألم والدم والفرقة والتناحر، في التعليم كما في السياسة، في القطاع الإجتماعي والإقتصادي كما في الثقافي والعسكري كل يشكو من التقصير والإهمال.

 

في الجزائر كما في الشيشان، في أفغانستنان كما في فلسطين، في رواندا كما في بورندي، في سراليون كما في زائير، كلّ يشكو، ولا نملك إزاء هذه الشكاوى إلا السكوت أو التباكي. ولا نستطيع أن نعمل شيئا. كثرة بلا رؤية، وقيادات بلا رشد. وتكالب على المصالح.

 

نعم، السبب: ويرجع السبب في ذلك، أن الأمة الإسلامية لم تعد تملك رؤية موحدة للحياة، والرؤية ـ كما نعلم ـ هي التي تجمع الأمة الممزقة وتقيها، بينما أن عدم إمتلاكها هي التي تضعف الأمة وإن كانت قوية وتمحيها عن الوجود.

 

وأكاد أقول أنه لم يعد لنور الإسلام إشعاع لولا هذه الثورة الإسلامية التي فجرها آية الله الإمام الخميني (رض) لتكون نقطة انبعاث من جديد لتسلم زمام المعركة.

القدس للإسلام وليس لليهود:

منذ أن انعقد المؤتمر الأول لليهود في مدينة «بال» بسويسرا تحت رئاسة تيودور هرتزل عام1897م.

 

وبعد أن نجح اليهود في تنفيذ أكبر حدثين أثرا كل التأثير سلبا على مسيرة الأمة الإسلامية.

 

الأول: يتمثل في إسقاط دولة الخلافة الإسلامية على يد العميل «كمال أتاتورك» عام 1924.

 

والثاني: في إقامة ما يسمى بدولة إسرائيل في قلب الأمة الإسلامية والعربية، دولة رفضوا أن يحد لها حدودا رسميا إلا الحدود التي رسمتها لهم التوراة (أرض الميعاد) كما يزعمون.

 

منذ ذلك الحين فالمعركة بين اليهود والمسلمين تزداد شدة وحدة، لكن الشيء الملفت للنظر في هذه المعركة هو: أن اليهود، ومن خلال هذا الصراع الطويل، نراهم ينتقلون دائما من إنجاز إلى إنجاز ومن قوة وإنتصار إلى مزيد من القوة والإنتصار، في الوقت الذي يتخبط فيه المسلمون في سيرهم وينتقلون من فشل إلى فشل، ومن تنازل وخسارة إلى مزيد من التنازل والخسارة، كالذي وقع في أرض السنغال. أثناء إنعقاد القمة الإسلامية عام: 1991م عندما إتفق قادة الدول الإسلامية جميعا على حذف كلمة «الجهاد» من قضية فلسطين إرضاءاً لليهود.

 

أو كالذي تقوم بها القيادة الفلسطينية من توقيعات مهينة، وإستسلامات مخزية، وتضييق للحركات المجاهدة في فلسطين، مثل حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي. وهكذا إلى أن وقعت القدس أسيرة في يد اليهود سنة 1967م على إثر الإحتلال الإسرائيلي لبقية الأراضي الفلسطينية.

 

وتجدر الإشارة هنا إلى ما قاله «موشي ديان» وزير الدفاع الإسرائيلي السابق عندما دخل هذه المدينة المقدسة قال بالحرف: «اليوم تفحت الطريق إلى بابل ويثرب» ويوحي بذلك إلى الفكرة التي أعلنوها بعد مؤتمر «بال». وبالتحديد يوم: 14/ مايو 1948م «قد تم بموجب الحق الطبيعي والتاريخي للشعب اليهودي». وهو فكرة يرفضها التاريخ بعد أن رفضها الواقع.

 

ثم لم تزل المعركة بين اليهود والمسلمين مستمرة إلى أن حرقوا المسجد الأقصى، ثاني مسجد بني على وجه الأرض بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة، وهو أول قبلة إستقبل إليها المصطفى (ص) وفيه لقي الأنبياء فصلى بهم إماماً. ومنه أيضا انطلق به ربه تبارك وتعالى في معراجه إلى السماوات العلى. هذا المسجد حرقه اليهود يوم: 21/8/1969م. كما قاموا بمذبحة بشعة فيه راح ضحيتها أكثر من ثلاثين قتيلا، و150 جريحا، بينهم عدد من النساء والشيوخ والأطفال.

 

من هذا السرد التاريخي الموجز يدرك كل من له شيء من البصيرة أن قضية القدس ليست قضية أفراد أو جماعات ولا قضية شرق أوسطية فحسب، ولا قضية قوم دون الآخر، وإنما هي قضية إسلامية عالمية وأمانة على عاتق هذه الأمة الإسلامية، يجب المحافظة عليها مهما كلف الثمن.

 

وجزى الله الإمام الخميني الذي جعل آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يوما عالمياً يتضامن فيه المسلمون مع إخوانهم في القدس وذلك لفهمه وتفهمه هذه القضية.

 

ويأتي نداءه بمناسبة هذا اليوم تنبيها للغافلين من هذه الأمة وتحريكا لمشاعرهم، ونقطة إنطلاق للتحرر واليقظة فقال: «إننا نأمل من المسلمين في يوم القدس آخر أيام شهر الله الأعظم أن يتحرروا من القيود المانعة لهم ومن عبادة الشياطين الكبار والقوى العظمى، ليتعلقوا بقدرة الله الأزلية ويقطعوا أيادي جناة التاريخ عن بلاد المستضعفين وليقضوا على أطماعهم».

 

ويختتم هذا النداء قائلاً: «يا مسلمي العالم يا أيها المستضعفين، انهضوا وتسلموا مقدراتكم فإلى متى أنتم جالسون وتاركون تلك المقدرات في أيدي واشنطن...الى متى يبقى المسلمون غافلين عن قدرة الإسلام».

 

وإستجابة لهذا النداء،نرى اليوم ومضات نور تنبعث من داخل الأرض المقدسة تمثلها الإنتفاضة المبارك التي تكاد أحجارها في أيدي الأطفال لتسمع العالم أن الإسلام انطلق ليتسلم زمام المعركة وينقذ الأمة من الذل إلى العزة مصداقا لقوله تعالى: «إنّ العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين».

 

وعلى بركة هذا النداء نرى كثيرا من المسلمين في دول العالم يقومون بمظاهرات جماهيرية إحياء لهذا اليوم المبارك والمقارب لليالي القدر التي يعتبر إحياؤها سنة إلهية لعظم قدرها حيث أنها خير من الف شهر من اشهر المنافقين كما يقول الإمام عليه السلام.

الأعداء والعالم الإسلامي:

لقد أدرك أعداء الإسلام أهمية عالمه وموقعه الجغرافي، فعملوا جاهدين لإخضاع هذا العالم وأمته وإبقائه دائما في دنيا التبعية والتقليد.

 

فقاموا أول ما قاموا في ضرب حصار على هذا العالم، والحصار ـ كما هو معلوم ـ سلاح قديم استعمله كفار قريش ضد دين الإسلام، وهو في بداية جولاته معهم، وأغلب الظن أنه سيستمر يستعمل ضد المنتمين إليه ما لم ينحرفوا عن خطه الأصيل، خط الإستقلالية التامة والحرية والإباءة، خط الرفض والتحدي لجميع أشكال الهيمنة.

 

وإنطلاقاً من هذا الفهم، فمن البديهي أن ندرك حقيقة هذه الزوبعة من الإشاعات والإتهامات التي توجه ضد دول مثل إيران والسودان بحجة أنها دول ترعى الإرهاب وتساند الخارجين عن القانون حسب زعمهم.

 

فقاموا تحت غطاء هذه التهم بدك المعاقل الإسلامية واحدة تلو الأخرى، وإيجاد جيش من العملاء يعمل ويكيد لهذه الأمة ويتربص فرصة تسمح له بضرب كيانها برمته إن إستطاع إلى ذلك سبيلا. أوعرقلة مسير وحدتها إن عجزت. وليس أدل على ذلك من تقسيمهم هذا العالم إلى دويلات، ثم اشغال قادة هذه الدول مشاكل حدود ليست في الواقع إلاّ قنابل موقوتة، بل قابلة للإنفجار في أية لحظة. ولنضرب مثلا على هذا: بمشكلة الحدود التي كانت بين إيران والعراق. وبين السعودية واليمن، أو بين المغرب والجزائر، أو بين السنغال وموريتانيا، أو بين ليبيا وتشاد، أو بين تونس والجزائر، أو بين العراق ودولة الكويت.

 

وتأتي حرب الخليج الثانية لتبين هذه الحقيقة. كما كانت حرب إيران والعراق خطة ومؤامرة.

 

ومن ثم فلم يكتف الغرب من أعماله الكيدية التي عجزت الأقلام عن رصده، بل جعلوا هذا العالم أيضا عالم صراع.

 

فهناك الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع العرقي، والصراع الطائفي وبالتحديد قضية الشيعة والسنة، وهي قضية مفتعلة ما كانت تتسحق هذه الضجة وهذا العداء الموجود فيما بين أمة واحدة. لولا تلك الأيادي الخفية العاملة وراء الستار. لإشعال الفتنة بين الأمة.

 

والعالم الإسلامي هو أيضا السوق الرئيس لأسلحة الأقوياء المتطورة. في وقت بلغ الحقد والإستهتار مبلغهما أن عمد الغرب وعلى رأسه الدول الكبرى إلى فرض الحصار(على مبيعات الأسلحة والتقنية العسكرية الى هذه الأمة لمنع تطوير قدراتها الدفاعية) في الوقت الذي يلاقي فيه الكيان الصهيوني دعما عسكريا وماديا متعدد الوجوه وغير محدود.

 

هذا هو الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية في الوقت الراهن. ويمكن القول أنه هو ما تنبأ به المصطفى (ص) حين قال: توشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. قالوا: ومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثير، ولكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدوركم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت.

الصراع العالمي في منظور القرآن:

إن الهزائم المتلاحقة على هذه الأمة، والمآسي المتتالية التي تتجرّعها ليل نهار ما هي إلاّ نتيجة عدم الإعتراف بالنظرية القرآنية القائلة: بأن الدنيا معسكران لا ثالث لهما. فمنذ ما حصل بين هابيل وقابيل، بل منذ أن أمر الله الملائكة بالسجود كلهم لآدم، فسجدوا إلاّ إبليس الذي أبى وإمتنع واستكبر، فأخرج من جراء هذا الإمتناع والإستكبار من الجنة مذؤوما مدحورا، فإحتج على ذلك وأقسم بالرب كما جاء في القرآن قائلا: «قال فيما اغويتني، لأقعد لهم صراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين» الآية17 الأعراف. «فبعزتك لأغوينهم أجمعين» الآية 39 الحجر. فمنذ ذلك الحين قسّم القرآن العالم إلى معسكرين: الأول: معسكر الخير المتمثل في حزب الله. والثاني: معسكر الشر المتمثل في حزب الشيطان.

 

ثم أمر بقتال أئمة هذا الأخير، وحثّ  على الثبات فيه حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. وحذر قائلاً: «إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» الآية 73 الأنفال.

 

وتجدر الإشارة هنا أن هذا التقسيم ليس مبنيا فقط على أساس العقيدة فحسب، بل وعلى أساس سياسي أيضا، فحزب الله ليس هو الذي يلتزم بالعقيدة والشريعة فقط، وإنما هو أيضا الذي يوالي الله ورسوله وجماعة المؤمنين. كما وأن حزب الشيطان ايضا ليس ذلك الذي يتنكر للعقيدة ويتنكب للشريعة فحسب، بل هو الذي يوالي أعداء الإسلام ويقف معهم في صف واحد مصداقا لقوله تعالى: «ومن يتولهم منكم فهو منهم» أو يسكت للرضى، إذ «أن الرضى من الكفر كفر» قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون» (التوبة/ 23)

 

وإذا كان الإسلام ـ كما نعلم ـ البديل الوحيد الذي يسعى إلى إزاحة كل حضارة لا تلتقي مع قيمه ومبادئه وفكره، فلم يعد غريبا أن يضعه الغرب عن عدم تقدير منه وسوء فهم له في بؤرة إتهام، ينظر إليه على أنه العدو الأشد خطرا عليه. فأصبحت أعنف المعارك موجهه إليه (الإسلام) والى كافة قيمه أينما وجدت.

 

ولعل قيام المعسكر الشرقي بعد تفكك الكتلة الشيوعية سنة1991م بالانضمام إلى المعسكر الغربي ليصبح معه قوة واحدة ضد الإسلام والمسلمين لعل هذا يؤتي دليلا واضحا على صدق هذه النظرية القرآنية ويكشف أيضا أن اصالة هذا الدين الذي يعتبر الكفر مهما تنوعت أشكاله ملة واحدة.

 

ويكشف لنا أيضا الأسباب التي دفعت المعسكر الغربي إلى القيام بهذا الهجوم الشرس ضد كل ما هو إسلام في العالم، فجرائم الصرب في البوسنة، وروسيا في الشيشان وإسرائيل في فلسطين وجنوب لبنان ـ الذي انسحبوا منه أخيرا ـ وأمريكا في العالم كل هذه الجرائم لم تكن غريبة في نظر القرآن القائل: «لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم» الآية 120 البقرة، وقال أيضا: «ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن إستطاعوا» الآية 217 البقرة.

 

وبعد إدراك أسباب هذا الصراع القائم بين أنصار الحق وأنصار الباطل، بين أولياء الرحمن وحلفاء الشيطان، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو:

المستقبل لمن؟

نعم، قد يكون غريبا بالنسبة للمسلم أن يجيب على هذا السؤال، لأن المستقبل كمايبدو في عقيدته بيد من لا يسأل عما يفعل وهو فعال لما يريد «قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلاّ الله» الآية 65 النمل ـ إلاّ أن هذا الإعتقاد لا يمنعنا من الإجابة على هذا السؤال، لأن المستقبل وان كان بيد الله وبعلمه فهو من صنع البشر، أنه محصلة جهود الإنسان، وذلك ضمن سننه تبارك وتعالى في الآفاق وفي الأنفس. فالمسلم والكافر في الدنيا سواء، كل يجني ثمرة جهده إن خيراً فخيراً وإن شراً فشر.

 

وعليه نكتفي بسرد قضيتين مسلمتين إحداهما قرآنية والأخرى تاريخية.

 

فأما الأولى قال تعالى: وقوله الحق: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً، يعبدونني ولا يشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون» الآية 55 النور.

 

نعم، لقد تبين لنا في هذه الآية أن المستقبل في الصراع القائم بين المعسكرين للذين آمنوا بالله وعملوا الصلحات ولك بوعد من الله تبارك وتعالى، إلا أن تحقيق هذا الوعد مرهون بالإيمان والعمل الصالح فهما أي: الإيمان والعمل يحكمان في المستقبل.

 

وأما الثانية: فقد تعلمنا من دروس تاريخ الأمم القديمة والحديثة أن الإتحاد والتضامن يزيدان الاقوياء قوة على قوتهم ويرفعان عن الضعفاء ضعفهم، وأن الإنشقاق والتفرق يضعفان الأمم القوية ويمحيانها عن الوجود. وأن الغلبة في نظام (العولمة) للقوة لا للعدل، لمن معه دول الإستكبار، لا لمن معه الحق والشعب.

 

بيد أننا كمسلمين نؤمن بأنه في النهاية ومهما تسلط المتسلطون على الحكم، وإستحكموا وإستبدلوا الشعوب، فلا يصح إلاّ الصحيح ولا يحق إلا الحق، «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق» الآية18 الأنبياء.

 

نعم، الانتصار حليف الحق، ولكن لا ينتصر الحق لمجرد أنه الحق، كما لا ينهزم الباطل لمجرد أنه الباطل، بل هناك أسباب مادية معينة مضافا إليها قوة الحق وضعف الباطل، فبها يتحقق النصر وبها يكون المستقبل للإسلام والمسلمين.

 

ولا ننسى أن قدرة الغرب على الاحتواء والتفوق أصبحت تتراجع. فقد بدأ يعاني خواء روحياً ويتقد المعنى والغاية المطلقة للحياة، ويفتقد الأمن نتيجة الأنانية والأثرة التي دُمرت إلى حد كبير العلاقات الإجتماعية في الأسرة والمؤسسات الإجتماعية في الوقت الذي نرى الأمة الإسلامية تنبعث من جديد معتمدة على ما لديها من دين قويم ورصيد فكري قادر في الحاضر والمستقبل كما في الماضي على إنقاذ البشرية كلها من الهلاك قال تعالى: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم» الآية 60 الأنفال.

 

مع العلم بأن خير ما يعده المسلمون اليوم من قوة هو الإيمان الراسخ بالله ونصره الذي أعده للمؤمنين حين قال: «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» الآية 7 محمد، وقال أيضا: «وكان حقاً علينا نصر المؤمنين» الآية 47 الروم.

إقتراحات وتطلعات:

في هذا الوضع الخطير الذي تعيشه الأمة الإسلامية في كل مكان، في هذه الظروف الصعبة على الأمة.

 

إننا نتطلع بعد هذا المؤتمر الى إتخاذ موقف جماعي في خطة عملية تضع حدا لهذا العدوان المتكرر على أجزاء كثيرة من جسم الأمة الإسلامية.

 

فقد أصبح واضحا للجميع أنه ليس بوسع أي دولة فيما يعرف بنظام العولمة أن تعيش وحدها في معزل عن المجتمع الدولي شاءت أم أبت.

 

إننا نستشعر ضرورة أن يفكر الإخوة المهتمون بشأن الأمة والدعوة الإسلامية وبالتحديد أهل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وضع خطة عملية تتمثل في توسيع دائرة النشاط لدعوى للمجمع، وفتح مكاتب ومراكز في أفريقيا مثلا، لتبليغ أهداف هذا المجمع إلى أبناء الأمة. هذه المراكز والمكاتب تقوم بعرض الدعوة الإسلامية عرضا صحيحا يساعد على تقريب الرؤى والمواقف.

 

وهذا بعد الدراسة والنظر فيما بذل من جهود وفق الخط الإسلامي المرسوم للوحدة. وتنسيق الأنشطة لهذه المكاتب والمراكز والإشراف عليها ومتابعة جهودها.

 

ولانشك في إمكانية تحقيق هذه الوحدة إذا عُرض الإسلام عرضاً صحيحاً. إذ أن الله تبارك وتعالى لم يرد لهذا الدين أن يبقى مجرد أفكار ونظريات في بطون الكتب من دون أن يتجسد في الواقع كما كان من قبل ويشق طريقه في حياة الناس وممارساتهم اليومية.

 

إننا نطلب من القائمين بالأعمال في المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وضع خطة إقتصادية تنموية عاجلة وعلى بصيرة، وذلك للإعتماد عى الذات، لسد الحاجات، وحل بعض المشاكل الإجتماعية، وإبطال فعالية السلاح الغذائي المسلط على عواتق العاملين من أجل وحدة الأمة الإسلامية، والذي يهدد الكرامة والعقيدة والمصير.